من لم يحترز بعقله هلك بعقله
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من لم يحترز بعقله هلك بعقله
من طرف تواقة الأربعاء مارس 25, 2009 12:23 am
من لم يحترز بعقله هلك بعقله
سألني سائل، قد قال بعض الحكماء: "من لم يحترز بعقله؛ هلك بعقله، فما معنى هذا؟ فبقيت مدة لا ينكشف لي المعنى، ثم اتَّضح.
وذلك أنه إذا طُلِبت معرفة ذات الخالق –سبحانه- من العقل؛ فَزِع إلى الحسِّ، فوقع التشبيه، فالاحتراز من العقل بالعقل هو: أن ينظر، فيعلم أنه لا يجوز أن يكون جسمًا، ولا شبهًا لشيء.
إذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه؛ رأى أشياء لا يقتضيها العقل، مثل الآلام، والذبح للحيوان، وتسليط الأعداء على الأولياء مع القدرة على المنع، والابتلاء بالمجاعة للصالحين، والمعاقبة على الذنب بعد البعد بزلة، وأشياء كثيرة من هذا الجنس يعرضها العقل على العادات في تدبيره، فيرى أنه لا حكمة تظهر له فيها، فالاحتراز من العقل به أن يُقَال له: أليس قد ثبت عندي أنه مالك، أنه حكيم، وأنه لا يفعل شيئًا عبثًا، فيقول: بلى، فيقال: فنحن نحترز من تدبيرك الثاني بما ثبت عندك في الأول، فلم يبق إلا أنه خفي عليك وجه الحكمة في فعله، فيجب التسليم له؛ لعلمنا أنه حكيم، حينئذ يُذْعِن ويقول: قد سلَّمت.
وكثير من الخلق نظروا لمقتضى واقع العقل الأول، فاعترضوا!
حتى إن العامي يقول: كيف قضى عليَّ سوء عاقبتي؟ ولم ضيَّق رزقي؟
وما وجه الحكمة في ابتلائي بفنون البلاء؟ ولو أنه تلمَّح أنه مالك حكيم، لم يبق إلا التسليم لِمَا خَفِيَ.
ولقد أَنِسَ ببديهة العقل خلق من الأكابر أولهم إبليس، فإنه رأى تفضيل النار على الطين، فاعترض.
ورأينا خلقًا ممن نُسِب إلى العلم قد زلُّوا في هذا واعترضوا، ورأوا أن كثيرًا من الأفعال لا حكمة تحتها.
والسبب ما ذكرنا، وهو الأُنس بنظر العقل في البديهة والعادات، والقياس على أفعال المخلوقين.
ولو استخرجوا علم العقل الباطن، وهو أنه قد ثبت الكمال للخالق، وانتفت عنه النقائض، وعُلِم أنه حكيم لا يعبث؛ لبقي التسليم لما لا يعقل.
واعتبر هذا بحال الخضر وموسى -عليهما السلام-، لمَّا فعل الخضر أشياء تخرج عن العادات، أنكر موسى، ونسي إعلامه له بأني أنظر فيما لا تعلمه من العواقب، فإذا خفيت مصلحة العواقب على موسى -عليه السلام- مع مخلوق؛ فأولى أن يخفى علينا كثير من حكمة الحكيم.
وهذا أصل إن لم يثبت عند الإنسان؛ أخرجه إلى الاعتراض والكفر، وإن ثبت؛ استراح عند نزول كل آفة.
المرجع: صيد الخاطر
للإمام: ابن الجوزي -رحمه الله-
سألني سائل، قد قال بعض الحكماء: "من لم يحترز بعقله؛ هلك بعقله، فما معنى هذا؟ فبقيت مدة لا ينكشف لي المعنى، ثم اتَّضح.
وذلك أنه إذا طُلِبت معرفة ذات الخالق –سبحانه- من العقل؛ فَزِع إلى الحسِّ، فوقع التشبيه، فالاحتراز من العقل بالعقل هو: أن ينظر، فيعلم أنه لا يجوز أن يكون جسمًا، ولا شبهًا لشيء.
إذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه؛ رأى أشياء لا يقتضيها العقل، مثل الآلام، والذبح للحيوان، وتسليط الأعداء على الأولياء مع القدرة على المنع، والابتلاء بالمجاعة للصالحين، والمعاقبة على الذنب بعد البعد بزلة، وأشياء كثيرة من هذا الجنس يعرضها العقل على العادات في تدبيره، فيرى أنه لا حكمة تظهر له فيها، فالاحتراز من العقل به أن يُقَال له: أليس قد ثبت عندي أنه مالك، أنه حكيم، وأنه لا يفعل شيئًا عبثًا، فيقول: بلى، فيقال: فنحن نحترز من تدبيرك الثاني بما ثبت عندك في الأول، فلم يبق إلا أنه خفي عليك وجه الحكمة في فعله، فيجب التسليم له؛ لعلمنا أنه حكيم، حينئذ يُذْعِن ويقول: قد سلَّمت.
وكثير من الخلق نظروا لمقتضى واقع العقل الأول، فاعترضوا!
حتى إن العامي يقول: كيف قضى عليَّ سوء عاقبتي؟ ولم ضيَّق رزقي؟
وما وجه الحكمة في ابتلائي بفنون البلاء؟ ولو أنه تلمَّح أنه مالك حكيم، لم يبق إلا التسليم لِمَا خَفِيَ.
ولقد أَنِسَ ببديهة العقل خلق من الأكابر أولهم إبليس، فإنه رأى تفضيل النار على الطين، فاعترض.
ورأينا خلقًا ممن نُسِب إلى العلم قد زلُّوا في هذا واعترضوا، ورأوا أن كثيرًا من الأفعال لا حكمة تحتها.
والسبب ما ذكرنا، وهو الأُنس بنظر العقل في البديهة والعادات، والقياس على أفعال المخلوقين.
ولو استخرجوا علم العقل الباطن، وهو أنه قد ثبت الكمال للخالق، وانتفت عنه النقائض، وعُلِم أنه حكيم لا يعبث؛ لبقي التسليم لما لا يعقل.
واعتبر هذا بحال الخضر وموسى -عليهما السلام-، لمَّا فعل الخضر أشياء تخرج عن العادات، أنكر موسى، ونسي إعلامه له بأني أنظر فيما لا تعلمه من العواقب، فإذا خفيت مصلحة العواقب على موسى -عليه السلام- مع مخلوق؛ فأولى أن يخفى علينا كثير من حكمة الحكيم.
وهذا أصل إن لم يثبت عند الإنسان؛ أخرجه إلى الاعتراض والكفر، وإن ثبت؛ استراح عند نزول كل آفة.
المرجع: صيد الخاطر
للإمام: ابن الجوزي -رحمه الله-
تواقة- عضوة نشيطة
-
عدد الرسائل : 66
الموقع : بين كل ماأحبه ربي
العمل/الترفيه : طالبة علم
تاريخ التسجيل : 25/02/2009
رد: من لم يحترز بعقله هلك بعقله
من طرف السنيورة الأربعاء مارس 25, 2009 2:00 am
جزاك الله خير الجزاء غاليتي تواقة
سبحان الله العقل البشري قاصر عن بلوغ الحكمة الالهية في كثير من الامور
وما على الانسان الا الاستسلام لاقدار الله
وقد قيل ( لو اطلعت على الغيب لخترت الواقع )
اسعد الله قلبك
سبحان الله العقل البشري قاصر عن بلوغ الحكمة الالهية في كثير من الامور
وما على الانسان الا الاستسلام لاقدار الله
وقد قيل ( لو اطلعت على الغيب لخترت الواقع )
اسعد الله قلبك
السنيورة- مشرفة
- عدد الرسائل : 140
الموقع : في بيتنا الصغير
العمل/الترفيه : طالبة جامعية
تاريخ التسجيل : 24/01/2009
منار الأمة- المدير العام
- عدد الرسائل : 194
تاريخ التسجيل : 14/11/2008 -
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى